الكومبس- خاص: يُحب الشاب نور أيسر جيريو (18 عاماً) الذهاب مع أمه إلى السينما لمشاهدة أحد الأفلام معاً، يتمتع بروح لطيفة وحس دعابة عالٍ. لديه ذاكرة صوريّة قوية جداً ساعدته على حفظ القرآن كاملاً على حد وصف والدته مروة الأسدي. عائلة نور كانت قد اكتشفت تشخيص ابنها باضطراب التوحد وهو في عمر ثلاث سنوات ونصف، ومنذ ذلك الحين والعائلة في رحلة صعبة وممتعة معاً، سعياً لجعل العالم مكاناً أفضل لجميع من يعاني من هذا التشخيص.

اليوم العالمي للتوعية بمرض التوحد

خصصت الجمعية العامة للأمم المتحدة الثاني من أبريل يوماً عالمياً للتوعية بمرض التوحد، واختارت الجمعية شعارها لهذا العام بعنوان” المضيّ قُدُماً في ترسيخ التنوع العصبي في سياق تحقيق أهداف التنمية المستدامة”، وذلك من أجل صون حقوق الإنسان والحريات الأساسية للأشخاص ذوي التوحد.

اختصاصية طيف التوحد مروة الأسدي، شاركت الكومبس قصة ابنها نور منذ لحظة اكتشاف تشخيصه بطيف التوحد عندما كانوا في الأردن إلى لحظة عودة العائلة إلى بلدهم الأم، العراق بعدما عاشوا في السويد قرابة أربع سنوات. تقول الأسدي”أنا خريجة إدارة واقتصاد، لكنني درست العديد من الدورات التعليمية والتدريبية حول مرض التوحد وحصلت على دبلوم من أحد المعاهد المعتمدة من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الأردني، وكل هذا من أجل فهم ما يحصل مع نور”.

توّثق مروة على صفحتها على إنستغرام التي يتابعها أكثر من 59 ألف متابع جميع المراحل التي يمر بها ابنها، حيث ترصد التطور الذي يحدث في سلوكه وتقدم استشارات ونصائح لجميع العائلات المماثلة.

وبالعودة إلى اللحظات الأولى لاكتشاف العائلة أن نور لديه هذا المرض، ذكرت مروة أن ‘حدى القريبات كانت في زيارة لهم، وانطلاقاً من خبرتها الطبية قالت لمروة إن نور الذي كان بعمر 3 سنوات آنذاك لديه سلوك غير طبيعي وعلامات مبكرة تدل على تشخيصه بالتوحد. وتضيف مروة “كان نور لا يعيرني انتباهاً عندما أناديه باسمه، وكان التواصل البصري بيننا نادراً. ترافق هذا مع حركات متكررة كالرفرفة والتصفيق والسير على أطراف الأصابع. كما أن نور لم يرغب باللعب مع أقرانه ولم يلفت نظره أي شيء قد يكون ممتعاً بالنسبة للأطفال الآخرين، كل هذه الأمور حولت انتباهنا إلى أن ابننا قد يكون لديه توحد ويجب البدء بخطة سلوكية علاجية لكي لا تصبح الحالة أسوأ عندما يكبر”.

قبل 18 عاماً تقريباً كان الوعي حول مرض التوحد ضئيلاً جداً، وفق ما تقول مروة، وكان هناك اعتقاد شائع بأن المعالجة الدوائية هي الحل، رغم أن الخط العلاجي الأول هو علاج سلوكي ومعرفي، وكان هناك خلط كبير بين مفهوم الحرمان البيئي والتوحد. وهو أمر تحدثت عنه مروة في مقابلة مطولة معها مع أحد برامج البودكاست العراقية، حيث ذكرت أنه رغم أن الحرمان البيئي والتوحد لديهما نقاط متشابهة فإن الحرمان البيئي يحدث عندما لا يأخذ الطفل المدخلات اللازمة لعمره، أي نقص التواصل الاجتماعي مع الأهل، وبالتالي فإن الحرمان البيئي هو أمر مكتسب، والإفراط بالتعرض للشاشات يزيد من هذا الأمر سوءاً، بينما التوحد هو مرض جيني يأتي منذ ولادة الطفل وتظهر أعراضه بشكل واضح نسبياً بعد عمر السنتين.

وتلفت مروة إلى أنه ليس شرطاً أن يكون كل طفل تظهر عليه أعراض مشابهة لما حصل مع نور مصاباً بالتوحد، بل يجب على الأهل طلب مساعدة المختصين الاجتماعيين والطبيين في الوقت المناسب لأن التدخل المبكر هو نصف العلاج. وتضيف ” لكن للأسف العديد من الأشخاص يستغلون الناحية العاطفية للأهل ويلعبون على وتر مشاعرهم تجاه أطفالهم ويطلبون مبالغ مالية كبيرة لقاء علاج طفل التوحد، وهذا كله عبء إضافي على أكتاف الوالدين”.

بين السويد والعراق

جاءت مروة وعائلتها إلى السويد العام 2020 بإقامة عمل، لكنهم مؤخراً عادوا إلى العراق بعد أن رفضت مصلحة الهجرة تجديد إقامتهم.

وعن الفروقات التي عاشتها مروة بين تعامل البلدين مع أطفال التوحد تقول مروة “في السويد يوجد دعم حكومي لتوفير بيئة ملائمة لأطفال مرض التوحد، على سبيل المثال توجد مدارس مخصصة لهم، وشخص مرافق مختص بالتعامل مع هؤلاء الأطفال، ويوجد دائماً من يظهر تعاطفه ودعمه لأي أسرة لديها طفل توحد، ولكن أيضاً بعض البلدان العربية مثل الأردن والإمارات ومصر يوجد فيها جهود عظيمة لتطوير طفل التوحد، على سبيل المثال نصحني أحد الأطباء في السويد بأن يضع ابني سماعة تخفف الصوت على اعتبار أنه نور كان لديه حساسية عالية للأصوات المرتفعة، وذكر الطبيب حينها أن هذه السماعة يمكن استخدامها مدى الحياة، ولكننا لاحقاً استطعنا تجاوز حساسية الصوت دون استخدام سماعة بشكل دائم لأنني دائماً أرغب بأن أعطي نور فرصة ليكون طفلاً طبيعاً”.

وتتابع مروة “البقاء في السويد كان أفضل لنور من حيث وسائل الراحة، لكننا لم نستطع ذلك، ولهذا حالياً أحاول إنشاء برنامج تعليمي مناسب له حيث أنه يتعلم على البيانو، ويذهب بشكل مستمر إلى النادي الرياضي”.

تختم مروة الأسدي حديثتها بتوجيه رسالة لجميع الأمهات في اليوم العالمي للتوعية بمرض التوحد، وتقول رحلة طويلة وصعبة مع أبنائنا المصابين بطيف التوحد، لكن هذه الرحلة مليئة بالرحمة والأجر، ولهذا لا تفقدوا الأمل لأن هؤلاء الأطفال أذكياء جداً إذا استطعنا اكتشاف نقاط القوة الخاصة بهم”.

“زيادة غير متوقعة”

وكانت دراسة صادرة عن إدارة الرعاية الجتماعية (Socialstyrelsen) كشفت أن عدد الأشخاص الذين يتم تشخيصهم بالتوحد شهد زيادة ملحوظة في السويد خلال السنوات الأخيرة، وهي زيادة وصفتها الإدارة بـ”غير المتوقعة”.

وأظهرت الدراسة أن نسبة الحالات الجديدة من التوحد قد ازدادت تدريجياً بين عامي 2010 و2023، في جميع الفئات العمرية ولدى الجنسين. وكانت الزيادة الأكثر وضوحاً بين الفتيات المراهقات في الفئة العمرية 10-17 عاماً، حيث تضاعف عدد التشخيصات ست مرات في هذه الفئة العمرية.

وتوفر خدمة الرعاية الصحية الرئيسة في السويد 1177 العديد من المعلومات العامة حول الفروقات الرئيسية بين التشخيصات الطبية الأكثر شيوعاً عند الأطفال مثل التوحد (Autism) واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (Adhd) والتشنجات اللا إرادية (tics)، والصرع (epilepsi)، والتي غالباً ما يتم الخلط بينها.

8 خرافات عن التوحد

1️⃣ التوحد ناتج عن التربية – خطأ! التوحد هو اضطراب عصبي نمائي (NPF) ناتج عن عوامل وراثية وبيئية، وليس بسبب أسلوب تربية الوالدين.
2️⃣ يمكن علاج التوحد من خلال النظام الغذائي أو الألوفيرا – غير صحيح! لا يوجد علاج للتوحد، لكن يمكن تقديم الدعم لتحسين جودة الحياة.
3️⃣ الأشخاص المصابون بالتوحد يتأرجحون دائماً ذهاباً وإياباً – خرافة! التوحد لا يظهر دائماً بشكل واضح، ولكنه قد يتجلى في تحديات متنوعة في التفاعل الاجتماعي.
4️⃣ الأشخاص المصابون بالتوحد يعانون من صعوبة الفهم – غير صحيح! التوحد لا يؤثر على الذكاء، لكنه قد يجعل التواصل صعباً بعض الشيء.
5️⃣ اللقاحات تسبب التوحد – غير دقيق! بعض الأبحاث العلمية تؤكد عدم وجود أي علاقة بين اللقاحات والتوحد.
6️⃣ الأشخاص المصابون بالتوحد يأكلون فقط أطعمة فاتحة اللون ويكرهون خلط الأطعمة – غير دقيق! قد يعاني البعض من حساسية حسية، لكنها تختلف من شخص لآخر.
7️⃣ الأشخاص المصابون بالتوحد لا يعبرون عن مشاعرهم – غير صحيح! لديهم مشاعر مثل الجميع، لكنهم قد يعبرون عنها بطرق مختلفة.
8️⃣ جميع المصابين بالتوحد لديهم اهتمامات خاصة مثل جداول مواعيد القطارات – ليس بالضرورة! قد يكون لدى البعض اهتمامات عميقة، لكن هذا لا ينطبق على الجميع.
(المصدر: Hjarnfonden.se)

راما الشعباني