المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

الكومبس – رأي: يستعد المسلمون في أوروبا لاستقبال شهر رمضان المبارك هذا العام وسط تحديات متعددة تشمل تقلبات سياسية محلية وعالمية، وارتفاع لتكاليف المعيشة، وانتشار للبطالة، وتتصاعد هذه التحديات في وقت يسعى فيه مسلمو أوروبا للحفاظ على تقاليدهم الثقافية والاجتماعية التي توارثوها عبر الأجيال، احتفالًا بالشهر الفضيل.

التضخم الاقتصادي

يواجه المُقيمون في أوروبا هذا العام ظروفاً اقتصادية صعبة أدت إلى موجات تضخم وارتفاع في الأسعار، ما زاد من الأعباء على كثير من العائلات. فمع انخفاض القدرة الشرائية وارتفاع تكاليف المواد الغذائية والإيجارات والمواصلات، يجد كثيرون صعوبة في إقامة بعض الطقوس الرمضانية التقليدية، مثل استضافة موائد الرحمن للإفطار الجماعي، والتي تعد رمزاً للتضامن الاجتماعي في شهر التآخي والمواساة.

من جهة أخرى، أدت البطالة المتزايدة إلى انخفاض الدخل لدى العديد من الأسر، لا سيما بين المهمشين وسكان الضواحي والمهاجرين واللاجئين الذين يعتمدون على وظائف غير مستقرة أو مساعدات حكومية. كما تأثرت الجمعيات الخيرية التي اعتادت تقديم وجبات الإفطار والسلال الغذائية جراء تدهور الأوضاع الاقتصادية العامة، ما يدفعها إلى البحث عن مصادر تمويل إضافية أو التقليل من حجم أنشطتها المعتادة.

التقلبات السياسية

شهدت السنوات الأخيرة تصاعداً في الخطاب الشعبوي واليميني المتطرف في بعض الدول الأوروبية، ما زاد من الضغوط على بعض فئات المجتمع. ويبرز ذلك في قضايا تتصل بممارسة الحريات مثل ما يثار حول منع ارتداء لملابس مُعينة في بعض الأماكن، أو ما يثار حول أداء الصلاة خلال فترات الاستراحة في أماكن العمل، أو الصيام في أوقات الدراسة، إضافة إلى بعض محاولات التضييق على دراسة لغة الأم، ومفاخرة البعض علناً بكراهية الآخر دون رادع وما يسببه ذلك من إجرام ممنهج وتصاعد لأحداث العنف.

إلى جانب ذلك تؤثر بعض الأحداث السياسية والمواقف الاجتماعية بصورة سلبية مباشرة على بعض الفئات المجتمعية في الإعلام الموجه، ما يفرض تحديات إضافية على هذه الفئات ويؤثر عليهم بشكل واضح وعلى أريحيتهم في ممارسة شعائرهم الدينية.

جهود رمضانية للتكيف والاندماج

رغم هذه التحديات، يظل رمضان شهراً يحمل روح التضامن والعطاء، وتبذل فيه الأُسر والمساجد والجمعيات جهوداً كبيرة لتوفير البيئة المناسبة لممارسة الشعائر الدينية، ولتنظيم فعاليات مجتمعية تشمل جميع أفراد المجتمع بغض النظر عن أصولهم وثقافاتهم. كما تشمل هذه الجهود المباركة في شهر الرحمة توزيع السلال الغذائية على الأسر المحتاجة، وتعزيز روح التكافل الاجتماعي، وتنظيم زيارات للمرضى والمشافي وكبار السن ودور الرعاية، وتنظيم دورات رياضية، إضافة إلى برامج دينية وتعليمية افتراضية للراغبين في متابعة الأنشطة عن بُعد.

رمضان والتطلع إلى مستقبل أفضل

رغم التحديات السياسية والاقتصادية المتباينة، يُمثل شهر رمضان المبارك فرصة عظيمة لتعزيز التفاهم والتعايش السلمي بين أفراد وفئات المجتمعات الأوروبية على اختلاف أصولهم وتطلعاتهم، كما يوفر مساحات شاسعة للحوار والتواصل والتعاون، ما يسهم في بناء مجتمعات أكثر انسجاماً واحتراماً متبادلاً.

ويظل شهر رمضان المبارك دائماً مناسبة مميزة للمسلمين وغير المسلمين لتجديد الإيمان بالواجد الخالق، لإشباع الروح بالسكينة والطمأنينة، لتعميق الثقة بالنفس، ولتعزيز الروابط الاجتماعية بين جميع المكونات المجتمعية، إضافة إلى كونه شهر الفُرص القيمة للممارسات الإنسانية المنبثقة عن سماحة الثقافة الإسلامية وعطائها المتجدد الممتد ما امتدت الحياة. ومن خلال روحانيات رمضان وفاعلياته الفريدة، يمكننا كأفراد ومؤسسات أن نبني جسوراً نشطة لمزيد من التقارب والتسامح بين مختلف فئات المجتمع.

وكل عام وأنتم بخير

طاهر أبو جبل