المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

الكومبس – رأي: في عالم يتغير بسرعة، يجد الإنسان نفسه محاصراً بين أنظمة سياسية واقتصادية تجرده من هويته، وتجعل حياته تدور في حلقة مفرغة من التبعية والاستلاب. في الغرب، حيث الحداثة الرأسمالية تسيطر على كل تفاصيل الحياة، نشهد ظاهرة غريبة مثل الكلاب البشرية، حيث يختار بعض الأفراد التخلي عن آدميتهم والعيش كحيوانات، في محاولة يائسة للهروب من ضغوط المجتمع والاقتصاد. وعلى الجهة الأخرى، في الشرق، نجد أن الإنسان المحاصر بالديكتاتورية والقمع لا يهرب إلى الحيوانية، بل يهرب إلى العنف، سواء كان طائفياً أو عشائرياً أو سياسياً، كرد فعل على القهر والظلم.
وبين هذين القطبين، يقف المهاجر الشرقي في الغرب، ممزقاً بين ثقافتين، محاصراً بين سياسات التمييز والعنصرية من جهة، وأزمة اقتصادية تتفاقم من جهة أخرى. إنه ليس كالغربي الذي يجد في العبث طريقاً للهروب، ولا كالشرقي الذي يجد في العنف وسيلة للرفض، بل هو فرد يواجه التهميش على كل الجبهات، محروماً من الشعور بالانتماء، عالقاً بين ماضٍ يطارده ومستقبل يرفضه.


ظاهرة
الكلاب البشرية: تمرد أم استسلام؟

في المجتمعات الغربية، حيث تم اختزال قيمة الإنسان في وظيفته وقدرته على الاستهلاك، ظهرت ظاهرة “الكلاب البشرية”، حيث يختار بعض الأشخاص العيش كما لو كانوا كلاباً، بملابسهم وسلوكهم وأسلوب حياتهم. هذه الظاهرة ليست مجرد انحراف سلوكي أو رغبة في الترفيه، بل تعبير عن أزمة هوية عميقة.
ففي ظل تآكل القيم الإنسانية، وانهيار الروابط الاجتماعية التقليدية، يجد البعض في التحول إلى “كلب” شكلاً من أشكال الرفض الصامت، أو حتى وسيلة ساخرة للهروب من مسؤوليات المجتمع. لكن هذا الهروب لا يمثل ثورة أو تحدياً حقيقياً للنظام، بل هو شكل جديد من الاستسلام، حيث يتخلى الإنسان عن جوهره بدل أن يواجه مشكلاته.

المهاجر الشرقي في الغرب: صراع مع التهميش

على الجانب الآخر، نجد المهاجر الشرقي في الغرب يواجه تحديات من نوع مختلف. فهو لا يعيش أزمة فقدان المعنى كما في الغرب، بل يعيش أزمة البقاء في مجتمع لا يعترف به بالكامل. مع صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة، وتفاقم الأزمات الاقتصادية، يصبح المهاجر هو الضحية الأولى لكل القرارات التقشفية والسياسات العنصرية. إنه يُعامل كفائض عن الحاجة، يُستخدم في الوظائف الهامشية، لكنه يُحرم من الحقوق الكاملة، ويُتهم بأنه سبب مشكلات المجتمع.


وفي
ظل هذا التهميش، يجد المهاجر نفسه أمام ثلاثة خيارات:
• الاستسلام
والتكيف التام، حتى لو كان ذلك على حساب هويته وكرامته.
• الانعزال
ورفض الاندماج، مما يؤدي إلى خلق جزر اجتماعية مغلقة تزيد من تعقيد المشهد.
• الاحتجاج
السلبي أو العنف، كرد فعل على القهر والتمييز.
لكن المشكلة الكبرى أن المهاجر، على عكس المواطن الأصلي، لا يملك رفاهية العبث أو السخرية على شكل تمرد ساخر. فهو ليس جزءاً من هذا المجتمع بالكامل، لكنه أيضاً لم يعد جزءاً من وطنه الأصلي. إنه كائن معلق بين عالَمين، يبحث عن مكان لا يجده.


بين
الغرب والشرق: هل هناك خلاص؟

في النهاية، سواء كان الإنسان الغربي الذي يتحول إلى “كلب”، كما تابعنا بفيديو متبادل حيث طالب عدة أشخاص في ألمانيا بحقوقهما ككلاب، أو المهاجر الشرقي الذي يعيش في الظل، فإن المشكلة واحدة: الاغتراب وفقدان المعنى. الأول يفقده بسبب هيمنة الرأسمالية التي جعلت كل شيء سلعة، والثاني يفقده بسبب قوى سياسية واقتصادية تعامله كعبء زائد.
لكن الحل لا يكون في الاستسلام، ولا في الهروب إلى الحيوانية أو العنف، بل في إعادة بناء الإنسان في مجتمعه، وإيجاد أنظمة أكثر عدالة تمنح الأفراد القدرة على تحقيق ذواتهم دون أن يُحاصروا بالتمييز أو القهر.
إن المعركة الحقيقية ليست بين الغرب والشرق، بل بين الإنسان ومنظومة تجعله مجرد ترس في آلة، سواء كانت آلة الحداثة المتوحشة أو آلة الاستبداد القمعي. والمخرج الوحيد هو استعادة الإنسان لإنسانيته، قبل أن يفقدها بالكامل، سواء خلف قناع كلب، أو تحت راية طائفية.