الكومبس – دولية: عقد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم أمس (الثلاثاء) مؤتمراً صحفياً من مقر إقامته في فلوريدا، حيث أطلق مجموعة تصريحات وصفتها صحفية أفتونبلادت السويدية بـ”المثيرة”. حيث طالب ترامب الدول الأعضاء في الناتو بزيادة إنفاقها العسكري إلى 5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، كما اقترح تغيير اسم خليج المكسيك ليصبح “الخليج الأمريكي”.
ومن المثير للانتباه تصعيد ترامب بشأن رغبة الولايات المتحدة في السيطرة على جزيرة غرينلاند التابعة حالياً للدنمارك وقناة بنما الاستراتيجية، التي تربط المحيطين الأطلسي والهادئ في أمريكا الوسطى، وعندما سأله أحد الصحفيين، لم يستبعد ترامب استخدام القوة العسكرية أو الاقتصادية لتحقيق ذلك.
من “العبث” إلى “الخطر“
وكان ترامب هدد الدنمارك في وقت سابق بفرض رسوم جمركية عقابية، وأرسل ابنه “ترامب الابن” في زيارة غير متوقعة إلى غرينلاند يوم الإثنين الماضي. لكن التصريحات حول إمكانية غزو عسكري لأراض ٍتابعة لدولة عضو في الناتو أثارت قلق المحللين الدبلوماسيين وفق ما نقلت أفتونبلادت. حيث نقلت الصحيفة عن رئيس الوزراء ووزير الخارجية السويدي السابق، كارل بيلد، قوله على منصة “إكس” “استبعد ترامب على الأقل استخدام القوة ضد كندا، لكنه لم يستبعدها ضد الدنمارك إذا لم تؤدِّ الرسوم الجمركية إلى استسلامها. الأمور تتحرك بسرعة من العبث إلى الخطر”.

Foto: Ritzau Scanpix /AP
ولدى الولايات المتحدة اتفاقية مع الدنمارك منذ العام 1951 تسمح بوجود قاعدة عسكرية أمريكية في غرينلاند. ويرى كثير من المحللين أن تهديدات ترامب ليست سوى تكتيك للحصول على تنازلات دنماركية تزيد من النفوذ الأمريكي على الجزيرة، وفقاً لخبر الصحيفة السويدية.
وفي السياق ذاته، قال أندش رومارهيم، الذي يعمل في الأكاديمية النرويجية للدفاع (Norska försvarshögskolan) لصحيفة داغبلاديت “قد تكون هذه مجرد خطوة تكتيكية تهدف في نهاية المطاف إلى انتزاع موافقة دنماركية على زيادة الوجود الأمريكي في جزيرة غرينلاند”. وأضاف “هناك احتمالات لحلول أخرى غير التي يعبر عنها ترامب”.
حلول بديلة
كما نقلت أفتونبلادت عن مصدر وُصفَ بـ”المقرّب من ترامب” كان قد تحدث لصحيفة نيويورك بوست بأن هناك بدائل أخرى غير الخيارات العسكرية. حيث قال المصدر للصحيفة الأمريكية “هناك مرونة في المناقشات حول أفضل السبل لتعزيز أمن الولايات المتحدة، لذا من الإنصاف القول إن هناك أكثر من خيار لتحقيق ذلك”.
وأضاف المصدر “الهدف هو إرسال رسالة قوية ومدروسة إلى بكين. ليس كلاماً فقط، بل أفعال. إعادة الولايات المتحدة إلى طموحها. الرئيس المقبل يضع أسساً مبكرة لعقيدة ترامب”، وذلك في إشارة إلى أن الهدف الحقيقي ليس الدنمارك، بل الصين، حيث أن هذه التصريحات تمثل مؤشراً على السياسة الخارجية المقبلة، وفقاً لتعبيره.
رد فرنسي على ترامب
وعقب تصريحات ترامب، حذّر وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، من تهديد “الحدود السيادية” للاتحاد الأوروبي بعد تصريح الرئيس الأمريكي بشأن الاستيلاء على جزيرة غرينلاد. حيث قال بارو في مقابلة مع قناة راديو فرانس إنتر “إن الأمر يتعلق بعدم سماح الاتحاد الأوروبي لدول أخرى في العالم، بغض النظر عمن تكون، بمهاجمة حدوده السيادية”.
وفي خبرها عن الرد الفرنسي على الرئيس ترامب ذكرت وكالة الأنباء السويدية TT أن بارو لا يعتقد أن الولايات المتحدة “ستغزو” جزيرة غرينلاند، لكنه يريد العودة إلى عصر “حق الأقوياء”، وذلك بعد أن صرح ترامب بأن سيطرة الولايات المتحدة على الجزيرة “ضرورة مطلقة”.
وفي السياق ذاته دعا بارو المفوضية الأوروبية إلى أن تكون “حازمة للغاية” في حماية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ضد تدخل إيلون ماسك في المناقشات السياسية الداخلية للدول. وتأتي هذه الدعوة بعد أن علق ماسك -الذي وصفته وكالة الأنباء السويدية بالحليف المقرّب من ترامب- على السياسة الداخلية لدول مثل ألمانيا في مناسبات عدة، حيث قدم دعمه لحزب البديل من أجل ألمانيا المعروف بأنه حزب يميني متطرف.
لماذا يريد ترامب غرينلاند؟
وفي خبر أفتونبلادت عن مؤتمر ترامب الصحفي ذكرت الصحيفة أن ترامب لم يكن أول رئيس أمريكي يفكر في امتلاك جزيرة غرينلاند. فقد درس الرئيس أندرو جونسون الفكرة عند شراء ألاسكا من روسيا العام 1867، وعرض الرئيس هاري ترومان 100 مليون دولار للدنمارك بعد الحرب العالمية الثانية مقابل الجزيرة، لأنها تحتوي على موارد طبيعية ضخمة، مثل النفط والغاز والمعادن النادرة المستخدمة في صناعة السيارات الكهربائية والمعدات العسكرية، وهي سوق تهيمن عليها الصين حالياً.
وقال البروفيسور كلاوس دودز من جامعة لندن لشبكة CNN “لا شك أن ترامب ومستشاريه قلقون للغاية من قبضة الصين على هذه الموارد. غرينلاند لديها إمكانات كبيرة كمصدر لهذه المعادن. أعتقد بأن الأمر يتعلق بمنع الصين من السيطرة عليها”.
كما أن الموقع الاستراتيجي لغرينلاند يجعلها منطقة مهمة عسكرياً ومدنياً، خصوصاً مع تحذيرات البنتاغون الأخيرة بشأن تدهور الأمن في المنطقة نتيجة تعزيز التعاون بين الصين وروسيا.
يذكر أن حديث ترامب عن نيته فرض السيطرة الأمريكية على جزيرة غرينلاند وقناة بنما الاستراتجية خلال المؤتمر الصحفي أمس لم يكن بالأمر الجديد، حيث أطلق الرئيس الأمريكي سابقاً سلسلة تغريدات هدد خلالها باستعادة بلاده السيطرة على المنطقتين المذكورتين، إذ قال حينها إن أمريكا لن تسمح بسيطرة “أيادٍ خاطئة” على قناة بنما، في إشارة منه إلى الصين، وهدد بإعادة احتلالها في حال لم تدرها بنما بطريقة “مقبولة”، على حد تعبير الرئيس المنتخب.