الكومبس – دمشق: وسط تعقيدات المشهد السوري، ومحاولات رسم مسار جديد للبلاد بعد سنوات من الحرب انعقد مؤتمر الحوار الوطني السوري بدمشق. وبينما وصفته الحكومة الانتقالية بأنه “علامة فارقة”، تصاعد الجدل حول مدى شموليته وتمثيله لكل الأطياف.
انعقاد مؤتمر الحوار الوطني السوري في القصر الرئاسي بدمشق، والذي وصفته الحكومة الانتقالية الجديدة بأنه “علامة فارقة” في مسار بناء دولة جديدة بعد عقود من حكم عائلة الأسد، خلق الكثير من الجدل حوله بين مؤيد ومعارض.
فالمؤتمر، الذي استمر ليوم واحد، جاء في ظل ظروف سياسية وأمنية معقدة، حيث يحاول الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، إيجاد “عملية انتقالية تؤدي نحو نظام جديد”، كما صرح في المؤتمر. وعلى الرغم من الأجواء الاحتفالية التي رافقت افتتاح المؤتمر، إلا أن الغيابات البارزة لعدد من المكونات الرئيسية في المجتمع السوري ألقت بظلالها الثقيلة على المؤتمر.
تشكيك في المصداقية بسبب غياب مكونات رئيسة
ترى مؤسسة ومديرة منتدى المرأة السورية من أجل السلام، في الدنمارك منى غانم في حوار مع DW عربية أن الغيابات البارزة التي حصلت، أثرت بشكل كبير على مصداقية المؤتمر، وقالت الناشطة السورية إن الدعوات التي وزعت من أجل حضور المؤتمر لم تحمل آلية توزيع واضحة وشفافة ما أثر في مصداقية الجهات المنظمة لهذا المؤتمر الهام. وبحسب غانم فإن أهمية هذا المؤتمر، والتي أتت بعد سنوات حرب طويلة، كان يجب أن يسبقها تحضيرات أكبر وأعمق من أجل ضمان آلية عمل وواضحة وسليمة تعطي مصداقية وطنية ودولية لها.
وكانت أحزاب كردية قد اشتكت من استبعادها بشكل واضح، وجاء في بيان وقّعه 35 حزبا من بينهم حزب الاتحاد الديموقراطي أكبر الأحزاب الكردية في سوريا أن “مؤتمر الحوار الوطني الحقيقي يجب أن يكون شاملا، يضم ممثلي جميع المكونات والكتل السياسية، والأحزاب والتنظيمات الفاعلة، والقوى الاجتماعية والمدنية، لضمان حوار حقيقي يعكس إرادة السوريين” مؤكدة عدم تلقي الإدارة الذاتية الكردية وقوات سوريا الديمقراطية أي دعوة للمشاركة.
هذا الاستبعاد أثار انتقادات واسعة من قبل الأحزاب الكردية، التي وصفت التمثيل في المؤتمر بأنه “شكلي” ولا يعكس حقيقة المكونات السورية. غياب الأكراد ليس الوحيد الذي أثار التساؤلات، بل إن تمثيل الأقليات الأخرى مثل الدروز والعلويين كان محدودًا أو شبه معدوم. هذا الغياب يضع علامات استفهام كبيرة حول مدى شمولية العملية السياسية وقدرتها على تمثيل جميع شرائح المجتمع السوري.
غياب ضامن دولي
وطالبت مديرة المنتدى النسوي منى غانم بإدخال جهات دولية مثل الأمم المتحدة وغيرها من أجل ضمان الوصول إلى آليات متفق عليها بين أطياف المجتمع السوري، معتبرة أن غياب المنظمات الدولية يعني استفراد جهة معينة بآلية القرار ما سيؤدي بالنتيجة إلى غياب التعددية والديمقراطية التي حملت شعار المؤتمر نفسه.
من جهته يفند الناطق الإعلامي باسم التجمع السوري في ألمانيا صادق موصللي هذه الشكوك، مؤكدا في حوار مع DW عربية أنه من الطبيعي أن يكون هناك تخوفات وتشكيك فيما يجري على أرض الواقع بعد سنوات الحرب الطويلة والديكتاتورية في اتخاذ القرار التي كانت نهج النظام السابق.
ويرى موصللي أن هذا الغياب له تأثير بالفعل على آلية الحوار، إلا أنه يشكل “تأثيرا محدودا” بحسب رأيه، ويوضح الناشط السوري أن الحوار قد بدأ لتوه ولم ينته، فالمؤتمر الذي حصل يمثل خطوة ستليها خطوات في سبيل بناء حوار فعال بين أطياف المجتمع السوري . ويتابع أن من كان غائبا أو لم توجه له دعوة سيتم تدارك هذا كله مستقبلا، لينضم الجميع في النهاية إلى الوصول إلى آلية تضمن إيجاد عقد اجتماعي تضمن سوريا موحدة لجميع أبنائها.
ويرفض موصللي فكرة إدخال أي ضامن دولي حاليا في الحوار ويقول: ” أنا أرفض وجود أي ضامن دولي حاليا لأن هذا يعني فتح الباب للتدخل الخارجي الذي عانى منه السوريون”. ويؤكد ” الشعب داخل سوريا قادر على حل أموره بمفرده بشرط أن يتاح له هذه الخطوة بمعزل عن التدخلات الخارجية”.
الهوية السورية والسياسة القائمة
إشكالية الهوية السورية كانت حاضرة بقوة في المؤتمر، حيث أكد الرئيس الانتقالي أحمد الشرع على أن “سوريا لا تقبل القسمة، فهي كل متكامل، وقوتها في وحدتها”. وقال في كلمته اليوم “سوريا حررت نفسها بنفسها، فإنه يليق بها أن تبني نفسها بنفسها”.
ونصب قادة المعارضة رئيس هيئة تحرير الشام أحمد الشرع رئيسا انتقاليا للبلاد الشهر الماضي. وتعهد الشرع على الفور بإجراء حوار وطني لمناقشة مستقبل البلاد.
ويقول المنظمون إن التوصيات، التي من المقرر أن يتم الاتفاق عليها، ستساعد في صياغة إعلان دستوري يهدف إلى وضع المبادئ الأساسية للنظام الحاكم الجديد في سوريا. وستنظر في هذه التوصيات حكومة انتقالية جديدة من المقرر أن تتولى السلطة في أول مارس آذار.
بيد أن هذا الإعلان يلاقي تشكيكا من “ملتقى سوريات من أجل السلام” الذي يعبر عن رفضه للمسار الذي اعتمدته السلطة السورية الانتقالية في التحضير لمؤتمر الحوار الوطني، نظرًا لعدم شموليته واستبعاده للتيارات السياسية الأخرى.
وقال الملتقى في بيان خص به DW عربية أنه تم اختيار اللجنة التحضيرية للمؤتمر من قبل مجموعة واحدة فقط، مما يعكس انحيازًا واضحًا لصالح رؤية معينة دون إشراك باقي المكونات السياسية والاجتماعية في البلاد. كما تم استبعاد ممثلين عن الأطياف العرقية والطائفية المختلفة، مما يضعف شرعية المؤتمر ويقلل من قدرته على تحقيق توافق وطني حقيقي.
وأضاف البيان أنه تم الدعوة لعقد المؤتمر بشكل متسرع، دون تهيئة الظروف الملائمة لنقاش حقيقي حول القضايا الوطنية العالقة. وبدلًا من أن يكون منصة لحوار جاد، يبدو أنه مجرد حملة دعائية للسلطة الحالية، تهدف إلى تضليل الرأي العام الداخلي والخارجي.
بين التفاؤل والشكوك: إلى أين يتجه المشهد؟
رغم الجدل المحيط بالمؤتمر، يعتقد موصللي أن مجرد انعقاده يمثل خطوة “لم تكن ممكنة قبل سنوات”، كما أن المخاوف يجب أن تغطي على الإنجاز الكبير الذي حصل على أرض الواقع، فبالرغم من انه لا ينتمي إلى الحكومة الحالية ولا يتحدث باسمها إلا أنه يرى أن القدرة على تجميع أطياف مختلفة من الكل السوري والقدرة على الحوار تنبأ بمرحلة جديدة مقبلة طال انتظارها للسوريين تحمل الديمقراطية والتعددية في طياتها.
وقال موصللي: “هناك العديد من التشكيكات، ويعتقد أن الهدف هو ترسيخ لحكومة تحمل صبغة سياسية واضحة إلا أنه هذا عكس ما يحصل على الأرض”. ويوضح “المراقب على أرض الواقع يرى أن هذه الحكومة منذ وصولها نجحت في توحيد الصفوف حسب استطاعتها، ولم تعمل على فرض صبغة معينة على الأرض السورية، بل احترمت المكونات المختلفة ونادت إلى إيجاد صيغة يقبلها الجميع”. ويرى موصللي أن الأهم من هذا كله أن من سيحكم سوريا هم من سيتم انتخابهم من الشعب السوري وهو ما سيتم احترامه بغض النظر عن توجهاتهم واثنياتهم.
وبين مؤيد يرى في في الحوار بارقة أمل، ومعارض يعتبره إعادة إنتاج للمشهد السابق، يبقى مستقبل سوريا مرهونًا بمدى قدرة القوى السياسية على تجاوز خلافاتها وإرساء حوار حقيقي، يعكس تطلعات السوريين نحو دولة ديمقراطية جامعة.
علاء جمعة + رويترز
ينشر بالتعاون بين مؤسسة الكومبس الإعلامية و DW