الكومبس – خاص: منذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر الماضي، تعاظم الحديث عن دور المجتمع المدني السوري في المرحلة الانتقالية، حيث بات يُنظر إليه كفاعل رئيسي في تحقيق الاستقرار، وحفظ السلم الأهلي، وتعزيز الحوار الوطني، إضافة إلى دوره في الضغط والمناصرة لتحقيق العدالة الانتقالية والدفاع عن حقوق الإنسان.
ورغم العقبات والتحديات، يشهد المجتمع المدني السوري اليوم حراكًا متسارعًا، تجسّد في تشكيل منظمات ومبادرات داخل وخارج البلاد. هذه التحولات تعكس تغيرًا جوهريًا في الدور الذي لعبته المنظمات المدنية خلال السنوات الماضية، حيث انتقلت من التركيز على العمل الإغاثي والإنساني إلى تبني أجندة أكثر شمولًا تتضمن الحوكمة، التنمية، والمناصرة الحقوقية.
زيدون الزعبي: تعزيز السلم الأهلي عبر استراتيجيات غير تقليدية
يدعو العديد من الناشطين إلى ضرورة التركيز على حفظ السلم الأهلي في سوريا، خاصة مع تصاعد الانتهاكات وعمليات الخطف والاقتتال الداخلي في بعض المناطق. في هذا السياق، تأسست “مجموعة السلم الأهلي” بعد سقوط النظام، وتضم عددًا من الناشطين الحقوقيين ومعتقلي الرأي السابقين، وتسعى للحيلولة دون انزلاق البلاد نحو نزاعات أهلية أو طائفية.

زيدون الزعبي، الكاتب والباحث الحاصل على دكتوراه في إدارة نظم المعلومات، والذي عاد إلى سوريا لأول مرة منذ 13 عامًا، شدد خلال حديثه لـ الكومبس على أن المهمة الرئيسية للمجتمع المدني اليوم هي “تعزيز السلم الأهلي عبر استراتيجيات غير تقليدية تختلف عن أدوار الدولة”. وأوضح الزعبي أن “الاستقطاب الحاد الذي تشهده سوريا – بين الريف والمدينة، الشرق والغرب، الداخل والخارج، الليبراليين والمحافظين – يشكل تهديدًا يجب معالجته من خلال تعزيز قنوات الحوار”.
وأشار إلى أن “حمص تمثل صمام الأمان للسلم الأهلي في سوريا، والنجاح في تحقيق التماسك المجتمعي فيها سيكون مؤشرًا على نجاح التجربة على مستوى البلاد”. كما أكد على ضرورة تبني سردية وطنية جامعة يتبناها السوريون جميعًا، معتبرًا أن “هذه السردية هي المفتاح الأساسي لبناء دولة مستقرة ومتطورة”.
حنين أحمد: التعامل مع عودة اللاجئين يتطلب قيادات مجتمعية جديدة
منذ الإعلان عن سقوط النظام، طُرحت فكرة عقد مؤتمر وطني يضم مختلف أطياف المجتمع السوري، إلا أن غياب التخطيط والتحضير أدى إلى انتقادات واسعة، ما دفع السلطة الجديدة إلى الإعلان عن تشكيل لجنة تحضيرية للحوار الوطني الأسبوع الماضي.
ورغم أن هذه اللجنة ضمت أسماء بارزة مثل هند قبوات، الأستاذة الجامعية والمدافعة عن حقوق المرأة، إلا أن العديد من الناشطين انتقدوا التشكيلة بسبب قلة تمثيل النساء فيها، وهيمنة شخصيات محسوبة على السلطة الجديدة.

حنين أحمد، ناشطة في الشأن العام في مدينة حمص، قالت لـ الكومبس إن “هنالك تحديات كبيرة تواجه المجتمع السوري وتهدد السلم الأهلي بالإضافة للانتهاكات الحالية، أهمها الاختلاف الكبير بين أولويات القادمين من مخيمات النزوح أو دول الجوار وبين السكان الذين لم يهجروا، وغياب الحوار والتواصل بين السوريين في المناطق التي كانت تحت سيطرة الدولة السورية، والسوريين في المناطق التي كانت خارج سيطرتها”.
وأضافت “التعامل مع عودة ملايين من اللاجئين يتطلب قيادات مجتمعية جديدة تعبر عن العائدين وعن كل السكان أيضًا، وتتناسب مع المرحلة الجديدة، وقادرة على تأسيس مشاريع ومبادرات تساهم في تحقيق توازن بين مختلف الأولويات والاحتياجات”.
إيمان ناصر: إعادة بناء جسور التواصل بين الناشطين ضرورة ملحة
إيمان ناصر، ناشطة ومدربة في مجال المجتمع المدني، أوضحت أن المجتمع المدني السوري كان يناضل سابقًا من أجل الاعتراف به ككيان مستقل عن العمل الإغاثي، “أما اليوم، فالتحدي يكمن في تثبيت مساحة محمية قانونيًا للعمل المدني”.
وترى ناصر أن “إعادة بناء جسور التواصل بين الناشطين في الداخل والخارج، وتبادل الخبرات بينهم، أمر ضروري لتشكيل مجتمع مدني قوي ومؤثر”.

مارسيل موسى: تجنب تحول العدالة إلى أداة للانتقام
العديد من الانتقادات وجهت إلى الحكومة السورية الحالية حول تعاطيها “غير الجاد” مع ملف المعتقلين، منها ما قالته وفا مصطفى حول التأخر في لقاء أهالي المعتقلين، حيث التقى الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع أهل الصحافي الأمريكي المفقود في سوريا “أوستن تايس” في حين التقى وفداً لأهالي المعتقلين السوريين منذ بضعة أيام فقط.
انتقادات أخرى وجهت لعدم ضبط وحفظ السجون والمعتقلات، والتي تعتبر مسارح للجريمة وأدلة على وحشية النظام السابق. حيث فتحت السجون للزوار وتم السماح بطلاء غرفة في أحد السجون في اللاذقية، كما نظمت مؤخراً فعالية لرابطة معتقلي الثورة السورية أمام سجن صيدنايا السيء السمعة، تخللها أجواء احتفالية ورقصات وتسويق تجاري لمنتجات سورية، ما اعتبره الناشطون إساءة للقضية.

في حديث لـ الكومبس، قال مارسيل موسى، وهو محامٍ ومدرب في مجال العدالة الانتقالية: “إن للمجتمع المدني الدور المحوري في الضغط لوضع مسار للعدالة الانتقالية، وخاصةً من حيث بناء الثقة وتعزيز الشفافية ورأب الصدع الذي يمكن أن يوجد بين الشعب والسلطة أو بين المكونات بحد ذاتها”.
يرى موسى أن “هناك انقسامات عميقة في سوريا اليوم، تفرض على المجتمع المدني تأدية دور حاسم للضغط على السلطة لتجنب تحول العدالة إلى أداة للانتقام أو التمييز، مما يعيد إنتاج العنف، وضمان عدم تحول عملية العدالة الانتقالية الشاملة إلى عدالة انتقامية أو انتقائية”.
مستقبل المجتمع المدني بين التحديات والفرص
رغم هذه التحديات، يبقى المجتمع المدني السوري أمام فرصة تاريخية لإثبات دوره في بناء سوريا جديدة، تقوم على التعددية، العدالة، وحقوق الإنسان. ومع تزايد المبادرات المدنية، وتعاظم دور الناشطين، يبدو أن المجتمع المدني بات أحد أهم القوى القادرة على إحداث تغيير حقيقي، لكن نجاحه مرهون بقدرته على تجاوز الانقسامات وتعزيز الحوار والتعاون بين مختلف الأطياف.
في النهاية، كما يقول مارسيل موسى: “المجتمع المدني ليس مجرد أداة لتقديم الخدمات أو تنفيذ المشاريع، بل هو الضامن الأساسي للحرية، الديمقراطية، والاستقرار في أي بلد يعيش مرحلة انتقالية مثل سوريا”.
إعداد كنان سلوم