الكومبس – دولية: في قاعة الصليب المقدس في حي القصاع الدمشقي، التي تبعد حوالي 300 متر فقط عن فرع المخابرات الجوية سيء الصيت، وضمن سلسلة اللقاءات الثقافية لبناء سوريا الجديدة، دعت بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، الدكتور رضوان زيادة للمشاركة في ندوة بعنوان “خطة التحول الديمقراطي في سوريا”، وهو الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في واشنطن.
وتأتي هذه الندوة في سياق إعادة بناء سوريا الجديدة بعد إسقاط نظام حزب البعث، وضمن تعليق الآمال على سير المرحلة الانتقالية بشكل آمن وسلس. كما تزداد الحاجة اليوم إلى إعادة بناء الهوية الوطنية السورية تدريجيًا، وهو ما يتطلب بالضرورة وضع أسس جديدة لبناء هذا البلد من جديد، في سياق سوري مختلف، بعيدًا عن الأيديولوجيات المغلقة والموروثة. الهدف هو الانتقال إلى ثقافة سورية عامة ومشتركة وجديدة، لانتقال البلاد إلى الديمقراطية التي تحترم جميع السوريين بأطيافهم المختلفة.
خطة التحول الديمقراطي
في الإطار الرئيسي للندوة، تحدث الدكتور زيادة عن التحول الديمقراطي، مشيرًا إلى أنه مع بداية الثورة في آذار، كان السؤال الرئيسي بالنسبة للسوريين: من هو البديل عن نظام الأسد؟ وهل تستطيع المعارضة السورية أن تطور بديلاً يعكس تطلعات السوريين في بناء الدولة الديمقراطية؟ بدأت المعارضة تتلمس بعض الأفكار وتحاول بناء بعض المؤسسات تحت اسم المجلس الوطني السوري، وعقد أول مؤتمر لهذا المجلس في تونس في أكتوبر عام 2011.
وشرح الدكتور زيادة كيف يمكن وضع إطار دستوري وقانوني مفترض لكيفية عملية التحول الديمقراطي، منذ مؤتمر تونس وحتى اليوم، وكيف سيتم الاستمرار في تنفيذ هذه الخطة بعد سقوط الأسد في 8 ديسمبر 2024.
وأشار الدكتور زيادة إلى أن العديد من الدول في العالم مرّت بعملية الانتقال من نظام دكتاتوري إلى نظام أكثر انفتاحًا، ولكن الوصول إلى الديمقراطية ليس بالأمر السهل. إذ يشترط الخبراء في هذا المجال وجود مجموعة من الشروط، وأهمها وجود مؤسسات قوية قادرة على إدارة التحول وإقامة الحامل الاجتماعي لمرحلة التحول السياسي.
وأضاف أن “بيت الخبرة السوري” الذي تأسس عام 2013 جمع العديد من المكونات السورية، وقسّم إلى ستة فرق رئيسية، وتناول مواضيع مثل الإصلاح السياسي، والإصلاح الدستوري، وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وبناء الجيش، والعدالة الانتقالية، والإصلاح الاقتصادي.
وقد أُعلنت التوصيات النهائية للتحول الديمقراطي في أغسطس 2013. لكن التحدي الرئيس كان في كيفية تطبيق هذه التوصيات. فبدأت خطة جديدة لفتح حوار مع الجهات العسكرية والمدنية حول كيفية تطبيق هذه التوصيات.
أهم قرارين للإدارة الجديدة
بعد سقوط النظام والانتصار العسكري السريع، أضاف الدكتور زيادة أن الإدارة السورية الجديدة اتخذت قرارين مهمين. الأول هو الحفاظ على مؤسسات الدولة، مما منح الثقة بأن سوريا لن تدخل في مرحلة فوضى سياسية، واستمرت المؤسسات في تقديم الخدمات، رغم تراجع مستواها. أما القرار الثاني، فكان تبني خطاب وطني بعيد عن الطائفية، وهو ما تم تطبيقه على الأرض، خصوصًا بعد وصول العمليات العسكرية إلى مدينة حلب، مما منح السوريين ثقة كبيرة بالإدارة الجديدة.
ماذا عن الشرعية الثورية؟
في حديثه عن المرحلة الانتقالية، أكد الدكتور زيادة أن علماء السياسة يختلفون حول تقييم هذه المرحلة، واعتبر أن المرحلة الانتقالية يجب أن تقود إلى “عملية الاستقرار الديمقراطي”، وهذا يتطلب إجراء أربع انتخابات نيابية ورئاسية على الأقل. ولكن، من المبكر الحديث عن متى نصل إلى مرحلة الاستقرار الديمقراطي في سوريا، حيث يعتمد ذلك على موعد بدء الدورة الانتخابية.
في ردّه على تساؤلات حول كيفية ملء الفراغ السياسي في سوريا، أشار الدكتور زيادة إلى أن الشرعية الثورية كانت الخيار الأفضل في هذه الحالة الاستثنائية والمؤقتة، ولا يمكن الاعتماد عليها لفترة طويلة. فالشرعية لا بد أن تأتي من الشعب، ومن خلال انتخابات حرة ونزيهة.
العدالة الانتقالية
تحدث الدكتور زيادة عن العدالة الانتقالية كعملية سياسية مهمة، وأكد على ضرورة الحفاظ على التوازن بين الانتقال السياسي ومبدأ تطبيق العدالة الانتقالية. أشار إلى أن تجربة دول مثل جنوب أفريقيا ورواندا قد تكون مفيدة في هذا المجال، لكنه شدد على أهمية أن يتم محاكمة كل من ارتكب انتهاكات ضد حقوق الإنسان في سوريا.
وأكد على ضرورة تأسيس “المحكمة السورية الخاصة” التي ستحاكم الانتهاكات بحق السوريين، مشيرًا إلى أن تطبيق العدالة يجب أن يتم بشكل جاد، وألا يتم إصدار عفو عام يساوي بين الجلاد والضحية.
رغم الطقس الماطر بعد انقطاع طويل للأمطار، كانت القاعة ممتلئة بالحضور من شباب ونساء، ورغم أن عدد كبار السن كان طاغيًا، كانت المداخلات كثيرة والأسئلة متنوعة. الإجابات كانت غنية ومفيدة، مما يعكس محاولات السوريين المستمرة للخروج من زنزانتهم، رافضين العودة إلى زنزانة أخرى، ولو كانت مزينة ببريق الذهب والوعود.
قام بتغطية الندوة: من دمشق – أنيس المهنا
